المطور

حتى لا تنطفئ شمعة أخرى بالكاف: من ينقذ “كهف الفنون” من الاندثار ؟

«ألتبيبيروس»، مدينة أثرية نسبة الى الامبراطور الروماني الثاني ” التيبيروس” ، كانت ملجأ للعائلات الفينيقية الثرية التي هربت من بطش الرومان، وكما هرب الفينيقيون من بطش الرومان، فرّ الفنان التشكيلي عمار بالغيث من صخب المدينة، وضوضائها الى هدوء هضاب ” التيبيروس”، وبكهف مهجور رسم عالمه الخاص، عالم الفن والابداع والعطاء اللامتناهي ..

وبـ”كهف الفنون”، الذي يقع بالقرب من «ألتبيبيروس»، بمنطقة «المديْنة» على بعد 6 كلم من مدينة الدهماني في اتجاه الجريصة،  عاش عمار بالغيث عزلته الفنية، جاعلا من الصخور لوحات فنية تحاكي حضارة الجهة، وأساطير العشق المنحوتة على الجدران..

في فضاء لا يتجاوز طوله الـ30 مترا تحت الأرض، حوّل عمار بالغيث بفرشاته وألوانه الكهف الى لوحات فنية، وأعاد الحياة الى منطقة منسية، مستلهما ابداعه من أثار «ألتبيبيروس»، من مياهها وأشجارها ..

فنان تشكيلي، جاب العالم من شماله الى جنوبه وتشبّع بكل الثقافات والحضارات، حيث عاش متنقلا طيلة  15 سنة بين الصين وتايلندا والفلبين واندونيسيا وماليزيا  ليخيّر في النهاية العيش في “كهف الفنون”، وعلى عكس أهل الكهف، لم ينم عمار بالغيث نومة الفتية السبعة وكلبهم، بل جعل من هذا المكان المهجور  الذي كانت تسكنه العناكب والأفاعي معلما فنيا ثقافيا وسياحيا يقصده الزوّار من كل مكان، وبتمويل ذاتي بعث بالغيث ورشة للفنون التشكيلية ومعرضا لأعماله الفنية.

لوحات تشكيلية معلقة على جدران الكهف، اضاءة خافتة، ومفروشات قديمة، هو العالم السحري للكهف الفني، هذا الفضاء المحاصر بالأراضي الخضراء الشاسعة، وصفاء سماء «ألتبيبيروس»، وزرقتها، وكما كانت «ألتبيبيروس»، همزة وصل بين مدن اقليم “التوسكا” وعاصمتها مكثر ومدن المملكة النوميدية وعاصمتها الكاف، مثل “كهف الفنون” همزة وصل بين عالم عمار بالغيث وعالمنا الخارجي .

مجهود امتد على مدار سنوات دون ملل أو كلل، ورغم كل العقبات لم يتخل بالغيث عن حلمه، بل واصل متجاهلا تنكّر سلط الاشراف لمشروعه.

تضحيات جسام قد تذهب سدى في أي لحظة، فلا يمكن للفنان أن يستمر في العطاء دون دعم ودون تسهيلات ولو بسيطة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر يبلغ طول المسلك المؤدي إلى الكهف 800 مترا عن الطريق الرئيسية (الدهماني ـ ألتيبيروس ـ المديْنة)، وهو ما يحول دون وصول الزوار الى الكهف، دون أن ننسى الغياب التام الى التمويل أو الدعم .

ولعل المحزن في الأمر هو أن يكتب الفنان التشكيلي عمار بالغيث أن هذا الحلم في طريقه الى الاندثار والاختفاء معبرا عن أسفه لما آلت اليه جهته ولحالة الاقصاء والتهميش الذي تعانيه.

سؤال يؤرقني كما يؤرق زوار ” LA GROTTE ” وهو متى تقرر سلطة الاشراف ونقصد وزارتي الثقافة و السياحة التدخل وانقاذ هذا المشروع الوطني من الاندثار، مع العلم أن مطلب عمار بالغيث منذ سنوات تلخص في تعبيد الطريق المؤدية الى الكهف وضم هذا المشروع الى المسلك السياحي لا غير، فهل هذا بالأمر العسير؟، أو بالطلب المستحيل لفنان قدّ الكثير لبلده وجهته تحديدا ؟ 

سناء الماجري

Exit mobile version